كنت أستاذا..

كنت أستاذا
كنت أستاذا ترسلون إليه أبناءكم كل يوم ، وتحاسبونه وتطلبون منه
لا يضرب
لا يصرخ
لا يخرج تلميذا من القسم
سأراكم تضربون وتصرخون وتوبخون بل ومنكم من يصاب بهستريا الصراخ وأنتم معهم لا تتحملون شغبهم فاصبروا نصف ما صبر المعلم ...

كنت حريصا أن يكتبوا وأن يفهموا وأن يناقشوا ويحللوا وأن يحضروا الدرس في بيوتهم

كنت حريصا أن أرى الواحد منهم أستاذا
كنت حين أشرح وكأنني ارى داخل قسمي أربعين أستاذا لا أربعين طالبا

كنت حريصا أن اراقب دفترهم ومحافظهم
وأفض الخلافات، وأنهي النزاع بين المتخاصمين

كان يقع على عاتقي نصرة المظلوم الضعيف على الظالم القوي
ويقع على عاتقي إرجاع الحاجات المسلوبة الى اهلها
وعلى عاتقي إنهاء الشغب لأفهمهم الدرس
وعلى عاتقي فرض النظام والهدوء

وعلى عاتقي العدل في الجلوس الأول فالأول، وضعيف البصر على الصحيح، وهزيل الجسم على البدين .

وعلى عاتقي ترتيب جلوس البنات،
وترتيب جلوس البنين

وعلى عاتقي تغيير المصباح ومسح الزجاج وإصلاح قفل الباب وتشغيل المدفأة وضبط الصف

وعلى عاتقي الملاحظة حول الهندام وحول الحلاقة وحول الأظفار ،

وأصنف في دفتري الأولاد فأعرف اليتيم والكريم والسقيم واللئيم، والعامل والخامل والهامل، والمجد والكسول، وليسوا سواء فأعطي كل ذي حق حقه .

وعلى عاتقي تهوية القسم والحفاظ على نظافته وأناقته مع أنه ليس أنيقا ولو حاولت، ونتخيله كذلك ..
كنت أستاذا

هؤلاء تلاميذي الأربعون من أربعين عائلة قدموا
وهناك فوج ثان من أربعين أيضا
وهناك فوج ثالث من أربعين أيضا

هناك مزيج من حالات الناس وظروفهم وأحوالهم يقدمون إلي من كل مكان
وأنا غاية في ضبط النفس تحضيرا وحرصا واهتماما وهنداما وابتساما عسى أن أعطي كل طالب مسألته.

تعالوا يادعاة التدريب وأرباب الأسر
هل تملكون ما يملك المعلم المربي الأستاذ من حلم وعلم وسماحة وطيبة؟
يأتينا أبناؤكم فنحضنهم ، ويخلون بالواجب فننصحهم وكنا رغم كل الظروف سعداء ...

كنت الممرض أسعف وأبلل المنديل لتخف حمى طالب أو رعاف ذاك أو زكام تلك، وكنت في نفس الوقت أتناول قرص صداع رأس لي لأستطيع إكمال الحصة الموالية .

كنت ألجأ إلى تفتيش عن حبة حلوى أرفع بها نسبة هبوط في سكر .

كنت أشم رائحة كبدي تحترق حين أوزع النقاط فأنهزم أمام ذوي العلامات الضعيفة وأجعل نفسي محل اتهام فلعلني كنت السبب
اليوم أبناؤكم عندكم وتمنينا أن نوصل إليهم درسنا
وحرصنا
وابتسامنا
واللطف منا
ونسجل لأجلهم الحصص عبر صفحات المواقع ليتعلموا ...

أعرف أنكم لم تصبروا عليهم وهم فلذات أكبادكم
ضايقوكم في البيوت وتمنيتم لو ان المدارس لم توصد أبوابها

أعرف أنكم لا تملكون برامج بيت ولا طرق علاج ظاهرة حجر صحي مفروض علينا

فارفعوا القبعة للأستاذ
وبادلوه التحية
واعترفوا له أنه الإنسان
وأن له عليكم حقا

سلاااام
الأستاذ محمد براح